آراء

دور المرأة في مراحل تأسيس الدولة السعودية

د. سهيلة زين العابدين حماد

ونحن نحتفل بمرور (305) عاماً على تأسيس الدولة السعودية؛ رأيتُ التوقف عند دور المرأة في مراحل تأسيس الدولة السعودية؛ الذي لاقى تجاهلًا من قبل بعض المؤرخين، ثمّ أنصفتها رؤية المملكة 2030 بتمكينها في كل مناحي الحياة.

إنّ مرحلة التأسيس الأولى كانت بقيادة الإمام محمد بن سعود، (1139- 1233هـ/ 1727- 1818م) الذي اتخذ من الدرعية عاصمة للدولة، دستورها القرآن والسنة، وتأكد هذا في العهد بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب عام 1157هـ. وقد كان للمرأة في الدولة السعودية الأولى دور كبير في تأسيسها على ثلاثة أصعدة هامة:

أولها: إنقاذ حياة المؤسس الأول للدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، عندما كان الرجل الأول لحاكم الدرعية آنذاك «زيد بن مرخان»، وإعطائه الأمان كان على يد الجوهرة بنت عبدالله المعمر، عمة محمد بن حمد بن معمر حاكم العُيينة آنذاك، فإنقاذها لحياته كان سببًا في وصوله إلى حكم الدرعية.. والقصة بدأت عندما ظن «زيد بن مرخان» حاكم «الدرعية» أن نظيره في «العيينة» «محمد بن حمد بن معمر» المعروف بـ «خرفاش»، حاكمًا ضعيفًا، وأنه سيستولي على بلدته بالسيف.. فقرر «زيد بن مرخان» ورجاله شن حرب على «العيينة»، فعلم «خرفاش» بأمرهم، فقرر أن يُوجِّه لزيد هذه الرسالة: (لماذا تريد إشراك هذه الجموع في نهب العيينة، دعهم وأقبل إليَّ وأنا أعطيك ما يرضيك).

لم يورد المؤرخ «حسين خلف الشيخ خزعل» في كتابه «حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب»، تبريرًا لتصديق «زيد بن مرخان» لهذه الرسالة التي ذُكِرَ نصها، غير أنّ العلة الوحيدة التي تبدو منطقية هي أنّ «زيد» صدق هذه الرسالة لظنه أنّ «خرفاش» يخاف الموت.

وصل «زيد» إلى «العيينة» ومعه 40 رجلًا، على رأسهم «محمد بن سعود»، واستقبلهم «خرفاش» الذي بقي مدة من الوقت مع ضيوفه ثم غادر، وبمغادرته، خرج رجاله بالبنادق ونفذوا فيهم مقتلة لم ينج منها سوى «محمد بن سعود» وآخرون، واحتموا في مكانٍ بالبيت ولم يغادروه أحياءً إلى الدرعية إلا بواسطة «الجوهرة بنت عبدالله بن معمر» عَمَّة «خرفاش» سنة 1726م، التي تزوجها الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد هذا الكمين بـ 15 سنة.. ورغم أن كل مؤرخي الدولة السعودية اعتمدوا هذه القصة، لكن بعضهم لم يتطرق إلى أي مدى كانت سطوة المرأة في المجتمع البدوي.

ثانيها: دستور الدولة ونهجها وسياستها لوضع أسس وقواعد الدولة السعودية، ويتمثل هذا الدور في شخص السيدة موضي بنت أبي وهطان زوجة الإمام محمد بن سعود، في العهد التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب سنة 1157هـ على مناصرة كل منهما الآخر، وفق رواية المؤرخ «عثمان بن بشر» في كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد»، الذي لم يتجاهل دور السيدة موضي لأهميته.. وقد وثّقه أيضًا المؤرخ اللبناني الأمريكي أمين الريحاني في كتابه «نجد وملحقاته وسيرة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الفيصل آل سعود» بنفس رواية ابن بشر مع اختلاف.

ثالثهما: على الصعيد القتالي والحربي الذي يتمثل في بطولة وحُسن قيادة السيدة غالية البْقُمية: سيدة من عرب البُقوم من بادية بين الحجاز ونجد، وهي غالية بنت عبدالرحمن بن سلطان بن غربيط البدري الوزاعي البقمي من قبيلة البدارا البْقُمية، التي كانت في متوسط العمر خلال حملة طوسون باشا على تربة. وتزوجها الشيخ حمد بن عبدالله بن محيي شيخ الموركة والمحاميد، الذي أصبح فيما بعد عاملًا للدولة السعودية الأولى على مدينة «تربة البقوم» على حدود الحجاز مع نجد.

وحينما بدأت حملة طوسون باشا وعابدين بك كان زوجها مريضًا، فتولت بنفسها خطط المعركة، وقد اشتهرت هذه السيدة بالشجاعة، وواجهت جيوش أحمد بن طوسون مرتيْن: عام 1222هـ/ 1807م، وقد تحدث عنها المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار».. وعام 1229هـ/ 1813م، وقد تحدّث عنها المؤرخ محمود فهمي المهندس في كتابه «البحر الزاخر»..

وقد تجاهل هاتيْن المواجهتيْن المؤرخان السعوديان ابن بشر وابن غنّام، بينما تحدث عنهما عبدالرحمن الجبرتي في كتابه فقال في حوادث صفر سنة 1222هـ/ 10 إبريل 1807م: (وصل مصطفى بك أمير ركب الحجاج إلى مصر، وسبب حضوره أنَّه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف إلى ناحية تربة، والمتأمّر عليها امرأة فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة)، وقال أيضًا في حوادث جمادى الأولى سنة 1229هـ/ 1813م: (وفي رابعة وصلت هجَّانة من ناحية الحجاز، وأخبر المخبرون أنَّ طوسون باشا وعابدين بك ركبا بعشائرهما على ناحية تربة التي بها المرأة التي يُقال لها غالية، فوقعت بينهما حروب ثمانية أيام، ثُمَّ رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل). كانت هذه الأحداث في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي حكم بين عامَي 1218هـ- 1229هـ /1803- 1813م.

للحديث صلة.

المصدر
المدينة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى