كُتاب الترند العربي

أفلام “هامر”

تغريد العتيبي

مُنذ فجر السينما وبزوغها فقد صاحبها ازدهار عناصر الرعب من مصاصي دماء في الأفلام الصامتة بالأبيض والأسود، كالفيلم الكلاسيكي الألماني «نوسفيراتو» صدر عام 1922 للمخرج إف دبليو مورناو، ويُعدُّ من أوائل الأفلام المطولة التي تم عرضها. لكنه خلق جدلية في حد ذاته من عدم حصوله على حقوق رواية “دراكوﻻ” للروائي الشهير برام ستوكر 1879 وبذلك تم حظره في عدة مناطق وتم تحريره ليتمكن من نوع من الأصالة في قصته. بالرغم من كل ذلك يُعد أوَّلَ فيلم مصاص دماء روائي طويل يصدر، فقد مثلت إشكاليات عصره وعرضه الروح الثورية لأفلام القوطية والرعب من جدليات حظر وأصالة وأخلاقيات ومدى الاحتياج إلى ضوابط عرض ومرونتها أو عدمها.

لكن مدى هذا التأثير لم يتوقف بل وثَّق صدى تلك الأعمال ومدى جذبها للعامة لقدرتها على خلق أجواء لم ترَ من قبل من خيال ظلامي وقلاع شاهقة ودموية مفزعة ومخلوقات وتحوﻻت متحدية بذلك كل ما تروجه الواقعية من دراما وتصوير حياة ومشكلات اجتماعية. فقد أدى ذلك إلى ازدياد طباعة ونشر الأعمال والروايات القوطية خاصة ما نشر في القرن التاسع عشر والمطالبة بتصويرها. فقد تواجد قبل «نوسيفراتو» أفلام رعب صامتة لكن قصيرة مثل الفيلم الأمريكي “فرانكشتاين» صدر عام 1910 للمخرج جي سيرلي دولي وأنتج من قبل توماس أندرسون حيث كان مكونًا من اثنتي عشرة دقيقة، وكُتب في ثلاثة أيام وصُوِّر في يوم. تلى تلك الثورة في صناعة الأفلام المطولة اقتباسات عدة لفرانكشتاين المأخوذة من رواية ماري شيلي الشهيرة بالاسم نفسه.

من هذا المنطلق وجب ذكر أحد أهم دور الأفلام والمؤثرين في صناعة أفلام الرعب السينمائية وهي شركة الإنتاج البريطانية «هامر فيلم»، التي كونت لها اسمًا وإرثًا في عالم السينما مكونة في الأوساط السينمائية أشبه بما يكون صنفها الخاص حاملًا الاسم نفسه. قد أُنشئت عام 1935 من قبل الكوميدي ورجل الأعمال ويليام هندز الذي أسماها على إثر اسمه المسرحي ويل هامر. كان معظم نشاط وإنتاجات الشركة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، في صدًى إعلامي كبير وعلامة فارقة لصناعات القوطية التي قدمتها من مبالغة مفرطة تميزت بها أفلام هامر وميلودراما والمشاعر الجياشة والنكات السوداوية الأقرب إلى الكوميديا أحيانًا. فقد شكلت بذلك صنفها الخاص في أوائل صناعات الرعب حيث قدمت مشاهد عديدة تتحدى الصناعة السينمائية آنذاك.

لكن بالرغم من أنها لم تعد في مخض الإنتاج المستمر كالماضي فإنها ما زالت تنتج عدة أفلام حازت صيت وتقييمات عالية منها فيلم «دعني أدخل» عام 2010 للمخرج مات ريفز، وفيلم «المقيم» في العام الذي يليه للمخرج آنتي جوكنين، وبضيف شرف نجم أفلام هامر (المعروف بتأديته دور سارومان في أفلام سيد الخواتم الشهيرة) كريستوفر ليي. لكن ما زالت هامر تعرض مؤتمرات وعروضًا سينمائية لأفلامها الكلاسيكية مع إنتاجات محدودة. حيث أصبحت وما زالت تدرس في صناعة السينما وأفلام الرعب والمؤثرات والأصوات والتصويرات القوطية. حيث تحولت أغلفة أفلامها وعديد من الصور وخلف الكواليس والبوسترات إلى جماليات ومقتنيات كلاسيكية تُباع وتُعرَض في متاحف وأرشيفات السينما؛ فهي من الذين نفثوا روح الحياة في وحوش القوطية لتصبح رموزًا في الثقافة العامة الحديثة كدراكوﻻ وفرانكشتاين والمومياء والطبيب جاكيل والسيد هايد وشبح الأوبرا وكارميلا وغيرهم الكثير.

لعلّنا هنا نذكر أهم أعمالها هو «لعنة فرانكشتاين» صدر عام 1957 للمخرج تيرينيس فيشر، فقد كان أشهر أفلامها لكونه الأول يُعرَض ملونًا ما جعله محطة سينمائية تستعرض أهم زخارف هامر القوطية في الأماكن والمشاهد، التي تعد حاليًّا من أحد أفلامها الأكثر مشاهدة ودراسة لتأثيره في عرض وتحرير الأفلام الملونة وانتقائه للقوطية المقدمة، ومن أشهر تأثيراته أيضًا هو تقديمه للممثل العريق كريستوفر لي للنجومية العامة والاعتماد على أدائه في عدة أفلام أخرى في تقديم الرعب والإثارة. هذا عوضًا عن المئات من أفلام مصاصي الدماء واقتباسات لدراكوﻻ ليصبح «وجه» هامر الشهير وبطاقتها الرابحة في تكوين سلسلة من أفلام دراكوﻻ واستغلال استحواذه على بقية رموز القوطية وخصوصًا في مواسم الشتاء والهالوين.

لكن هذا ما ولّد نوعًا من الانتقاد في المبالغة في التراكيب السينمائية والتصوير والكتابة، ما خلق نوعًا من النمطية لأفلام هامر، لكن ذلك أيضًا ما جعلها تبرز كصنف في صناعة السينما لتكون مصدر إلهام لعديد من صناع السينما والمخرجين وغيرهم. وقد تعود تلك الأسباب في حد ذاتها للقوطية نفسها كأسلوب أدبي وقصصي يعتمد على تلك الأساليب في حد ذاتها؛ فالقوطية تعرضت لتلك الانتقادات أيضًا. لكن ما ينظر على أنه نمطية هو أيضًا سبب استمرارية وشهرة وانتشار أفلام هامر وقبلها الروايات القوطية إلى هذا العصر، فما زال دراكوﻻ يحتل الشاشات وما زالت «مصاصو الدماء» تسيطر على المسلسلات، وما زال الزومبي (الأموات-الأحياء) يهيمنون على الألعاب الشهيرة. وما زالت أيضًا روايات الرعب والقوطية الأكثر مبيعًا في العالم والأكثر شهرة كروايات ستيفن كينج وتحقيقات أغاثا كريستي وقضايا شيرلوك هولمز.

لعل ما يذكر أيضًا من أهمية وانتشار ومدى صدى أفلام هامر هو تواجدها كمنصة رسمية في موسم الرياض الترفيهي لعام 2022 ومدى احتلالها الجزء الأكبر من مساحة الرعب بقلعة تفاعلية مقتبسة من أفلام هامر. وبوسترات الأفلام تلك تزين جدرانها في الخارج مؤكدة مرة أخرى عبر القوطية بأنها الصنف الذي مثل الثقافة العامة بكل ما يحويه من رعب وكوميديا وميلودراما.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى