آراء

“الملصقات” نضج الصناعة الإبداعية

ياسر مدخلي

يعمل المنتج في المجالات الإبداعية كالمسرح والسينما باهتمام لتصميم الملصق كدعاية تكوّن العلاقة الأولى بين المتفرج والعمل، لجذب المشاهد من خلال مكونات التصميم التي تضعنا في سياق العمل وأجوائه وأبطاله. هذه الصناعة نشأت قديمًا. فبعد اختراع الموسيقي والكاتب المسرحي الألماني “Alois Senefelder” تقنية الطباعة الحجرية “lithography” في أواخر القرن الثامن عشر، راجت تصاميم الملصقات كفن وتطورت في منتصف القرن التاسع عشر على يد “Jules Chéret” وهو مصمم مجوهرات ورسام فرنسي برع في تصميم الملصقات بالطباعة الحجرية الملونة. وجاء بعده الشاب المبدع “Henri de Toulouse-Lautrec” ليقدم خدماته للعروض المسرحية في باريس، وأصبح نجمًا وصانعًا لثقافة جديدة، واشتهر الفنانون واكتظت المسارح بفضل تصاميمه.

ومنذ بدايات السينما والمسرح عربيًا طبعت الملصقات وكانت تصمم بأدوات الكتابة والرسم مثل الريشة والأقلام وتطبع على اللوحات الكرتونية والخشبية والأقمشة والخامات المضاءة، ولم تقتصر على وجوه النجوم وأسمائهم، بل احتوت على عبارات يتفنن في صياغتها الخطاط ويبرع في تكوينها الرسام، فكُتب على «الأفيش» التنويهات والألقاب كما في فلم «جعلوني مجرما» حيث نقرأ لقب فريد شوقي «وحش الشاشة” وعبارة «في أقوى وأعظم أدواره السينمائية» وفي فيلم «المليونيرة» «لصباح ودريد لحام» كتبت عبارة «بالألوان الطبيعية».

وأتذكر ملصقات ما زال تأثيرها مدهشًا عليّ شخصيًا مثل فيلم «Lord Of War» وعليه وجه «Nicolas Cage» المرسوم بفوارغ الرصاص وكانت أسماء فريق العمل تشكل إطارًا للملصق، وكذلك تصميم فيلم «The Truman Show» للممثل «Jim Carrey» الذي كان عبارة عن صور مصغرة معبرة وتشكل وجه البطل. ولا شك أن ملصق «the godfather» مثال جيد للإعلان المميز من حيث اختيار الألوان وصناعة أيقونة «الوردة» وإبراز البطل والكتابة بخط فريد من نوعه.

وبرغم أن التغييرات كثيرة في ملصقات المشرق كما يحدث عند العرب، فإن الأسلوب الغربي كان أكثر استقرارًا ويذهب – في العموم – إلى تقليل التفاصيل والشخصيات مقارنة بالعربي. ولا نغفل وجود بعض التصاميم هي في الأصل لأفلام أخرى كما هو حاصل في السينما العربية منذ الستينيات. وعلى الصعيد الشخصي لا أحترم هذا الاستغلال الخاطئ لمبدأ الاستلهام، فإن لم تكن سرقة فهي إفلاس، بالذات في زمن تقدم بأساليب وأدوات التصوير والتصميم، لا سيما أن لكل عمل فني روحه وبصمته وزمنه، وهويته، وأصبح للفيلم عدة إصدارات، فهناك ملصق ينوه عن العمل دون تفاصيل لتشويق الجمهور، ويعلن عن الملصق الرسمي لاحقًا قبل العرض، وتنشر أحيانًا ملصقات متفرقة بهدف إبراز النجوم منفردين أو بشكل ثنائي، لترويجه على متابعيهم، ومن قبل كان هناك إصدار خاص لتغليف أقراص «DVD” لتسويق نسخ الفيلم بشكل جديد.

إن اختصار الفيلم أو المسرحية في صفحة واحدة أمر بالغ الصعوبة، هذا الاختزال بحاجة لذكاء ووعي وفهم لطبيعة المتلقي، فلكل زمانٍ أساليبه التي تتطور لجذب الجمهور، وهذه المهارة تمكن صانع العمل من اختيار الألوان، وتكوين الصورة من مفردات تقدم أهم الدلالات وأدقها بطريقة تجذبه ليتجشم عناء الذهاب إلى صالة العرض.

واليوم، يقدم لنا الشباب السعودي تصاميم ملصقات معبرة عن أعمالهم، تنم عن عقلية واعية للسوق واحتياجاته. وقد لفت نظري اهتمام بعض الأعمال الحديثة بالملصق المتحرك الذي يحتوي على تأثيرات بصرية مواكبة للتطور التقني ومحاكاته. وبرغم أن أغلب هذه التصاميم المميزة يبدعها أفراد، فإن النتيجة رائعة وتغلب بها الشباب عبر مهرجانات المسرح والسينما على مؤسسات حكومية وشركات كبرى لم توفق في تصميم ملصقات الأعمال التي تنتجها، وما زالت بعيدة عن المتلقي وتعيش في زمن مختلف.

المصدر: سوليوود 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى